منصة "إكس" ترفض الانضمام لحرب تخوضها دولٌ وشركاتٌ منحازة لإسرائيل على المنشورات الداعمة للفلسطينيين
أعاد إيلون ماسك، نشر تغريدة كتبها قبل عام، مكونة من عبارة قصيرة تقول: "العصفور أصبح حرا"، وكان حينها، مالك شركة "سبايس إكس" وأغنى أغنياء العالم، يخبر الجميع أنه أتم الاستحواذ على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، ليدخل مرحلة جديدة يعمد خلالها إلى تغيير اسم المنصة إلى "إكس" ويعاود تعديل خوارزمياتها بما يتيح حرية أكبر للمستعملين لاستقبال التغريدات".
وأرفق ماسك منشوره هذه المرة بعبارة "حرية"، وبعد سنة من على شرائه المنصة مقابل 44 مليار دولار، إثر معارك قضائية حاولت منع إتمام الصفقة، تغيرت الكثير من الأمور، وأصبح "إكس" في نظر الكثيرين المنصة "الأكثر حرية"، وتشاء الظروف أن يتصادف "عيد ميلاد" الصفقة الأقوى في تاريخ مواقع التواصل الاجتماعي، مع أعنف حرب يشنها الجيش الإسرائيلي على الفلسطينيين في قطاع غزة، الحرب التي تُتهم العديد من المنصات بالانحياز فيها للإسرائيليين ومحاصرة حقيقة مجازرهم في القطاع.
مالك جديد.. حرية أكبر
بدأ ماسك عهده على رأس "تويتر"، أو "إكس" حاليا، بما رأى أنه "تنظيف" للبيت الداخلي، حيث سرح حوالي 6500 موظف من مقر الشركة في سان فرانسيسكو من إجمالي 8000 آلاف، بمن فيهم إستر كروغورد المديرة السابقة، وقال إنه سيُحول المقر إلى ملجأ للمتشردين ما دام فارغا دائما، على اعتبار أن أغلب الموظفين لم يكونوا يأتون للعمل منه، وبالتزامن مع ذلك قرر المضي بعيدا في تعديل خوارزميات المنصة بما يسمح بانتشار أكبر للتغريدات.
ورفع ماسك القيد على العديد من الحسابات التي كانت ممنوعة في العهد السابق، كان أبرزها حساب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي عاد للعمل في نهاية غشت الماضي، الذي ظل موقوفا لحوالي 20 شهرا، منذ يناير من سنة 2021، لكن الامتحان الحقيقي لهذا النهج الجديد لم يكن قد حان بعد، لأنه في 7 أكتوبر 2023 سيستيقظ العالم على مفاجأة هجوم حركة "حماس" على المستوطنات الإسرائيلية في عملية "طوفان الأقصى".
وحرّكت هذه العملية الكثير من الأحداث، فإسرائيل أعلنت الحرب على غزة فورا على لسان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وبدأت عمليات قصف عنيف على القطاع استهدفت العديد من التجمعات المدنية وخلفت الآلاف من الضحايا، وكما كان متوقعا خلفت تفاعلا كبيرا عبر منصات التواصل الاجتماعي، خصوصا "إكس" المملوكة لماسك، و"فيسبوك" و"إنستغرام" التابعتين لشركة "ميتا"، ليبدأ فصل آخر من "صراع الرؤى" بين المنصات الأكثر تأثيرا وحضورا في العالم.
بين الإخفاء والحذف والإغلاق
ونهجت "ميتا" سياسة صارمة بدون مواربة تجاه المنشورات المتعلقة بدعم الفلسطينيين، حتى تلك التي تدين استهداف المدنيين، على غرار جريمة قصف مستشفى المعمداني، لدرجة أن خوارزمياتها كانت تحد من إمكانية الوصول إلى أي منشور يحمل عبارة "فلسطين" بأي لغة كانت، وهو ما أصبح يسري على المنشورات التي تحمل العلم الفلسطيني، وأضحت تعدها ضمن المنشورات المحرضة على العنف، ثم انتقلت إلى إغلاق مجموعة من الحسابات، كما كان عليه الحال بالنسبة لحسابات Eye On Palestine على مواقع "فيسبوك" و"إنستغرام" و"ثريدز".
وأثار هذا الأمر انتقادات واسعة ضد الشركة الأمريكية المملوكة لمارك زوكربرغ، حيث اعتُبر ذلك دليلا على تحيز هذا الأخير لإسرائيل، خصوصا وأن الصفحة معروفة بمصداقيتها في نقل ما يجري في غزة إلى الأعداد الكبيرة من متابعيها البالغين 6 ملايين على إنستغرام، قبل أن يشمل الحظر أيضا الحساب الثاني الذي يحمل اسم Eye On Palestine 2، ما دفع إدارة "ميتا" إلى تبرير موقفها ووصف الإجراء بأنه تم "لأسباب أمنية" نتيجة محاولات اختراق الحسابات.
وطال الإغلاق قبل ذلك أيضا صفحة الصحافي بشبكة "الجزيرة"، ومراسلها السابق في غزة، تامر المسحال، وحسب ما أعلنته الشبكة القطرية فإن هذا الإجراء تم بعد 24 ساعة على بث تحقيق، ضمن برامج "ما خفي أعظم"، تضمن اعترافات مثيرة لمسؤول أمني عن علاقة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بفيسبوك لإزالة المحتوى المناهض لإسرائيل واستهداف المحتوى العربي والفلسطيني، مبرزة أن شركة "ميتا" لم تتجاوب مع طلب التوضيح الذي تقدم به فريق الجزيرة.
التحقيق الذي نُشر قبل نحو شهر فقط على عملية "طوفان الأقصى"، كشف أن إدارة فيسبوك تستهدف المحتوى الداعم للقضية الفلسطينية، كما نبّه إلى وجود تمييز بين نشر المحتوى العربي والمحتوى العبري اللذان يتكلمان على الصراع حتى عندما يكون الموضوع واحدا، إذ لا يطال الحجب المحتوى الإسرائيلي حتى ولو كان تحريضيا، الأمر الذي أكده عاملون سابقون في إدارة المنصة، وخلص إلى وجود لوبي إسرائيلي قوي يتحكم في خوارزميات مواقع "ميتا".
استهداف ممنهج لداعمي فلسطين
وإلى حدود 13 أكتوبر 2023، أي بعد أسبوع من بدأ العمليات العسكرية الإسرائيلية على غزة، أصدرت "ميتا" بيانا قالت فيه إن إدارات مواقعها، فيسبوك وإنستغرام وواتساب وثريدز، حذفت 795 ألف منشور يتعلق بالأحداث في غزة، معلنة بشكل صريح أنها تعتبر حركة حماس "منظمة إرهابية"، وأن جميع المنشورات الداعمة لها سيكون مصيرها الحذف.
وأوردت الشركة الأمريكية في بيان "سريعا، نشأنا مركزا للعمليات الخاصة يعمل فيه خبراء من ضمنهم أشخاص لغتهم الأصلية العبرية والعربية لمراقبة تلك الأوضاع سريعة التطور والاستجابة لها عن كثب في الوقت الفعلي، ويسمح ذلك بإزالة المحتوى الذي ينتهك معايير أو إرشادات مجتمعنا بصورة أسرع، والعمل بمثابة خط دفاع آخر في مكافحة المعلومات المضللة".
وقبل أيام كشفت "نيويورك تايمز" أن الآلاف من المستخدمين الذين أطلقوا منشورات داعمة للفلسطينيين فوجؤوا بتعرضها للحذف أو الإخفاء، في حين كان مصير الكثير من الحسابات الداعية للخروج إلى الشوارع للاحتجاج ضد العمليات العسكرية الإسرائيلية، في الولايات المتحدة الأمريكية، هو الإغلاق، وتسبب ذلك في انتقادات دفعت "ميتا" مجددا لإصدار توضيحات تزعم فيها أن الأمر يتعلق بـ"خطأ عرضي عانت منه الحسابات في كل أنحاء العالم، وليس له علاقة بمضمون المحتوى".
هذا الواقع أصبح موضع انتقادات حادة من طرف المستخدمين، وامتد تأثيره ليثير حفيظة دول، على غرار ماليزيا، التي أعلن وزير الاتصال في حكومتها، فاضل فهمي، الخميس الماضي، أن الهيأة التنظيمية لشؤون الاتصالات في لبلاد قررت توجيه تحذيرات لـ"ميتا" و"تيك توك" بسبب حجب المحتوى الداعم للفلسطينينن، وفي رسالة رمزية اختار الوزير منصة "إكس" المنافسة ليورِد قائلا "إذا تم تجاهل هذا الأمر، لن أتردد في اتخاذ نهج وموقف صارم للغاية".
إكس.. نافذة أمل
الحصار الذي تفرضه "ميتا"، خصوصا في منصتيها الأكثر انتشارا وتأثيرا، "فيسبوك" و"إنستغرام"، جعل من "إكس" المنصة المفضلة لداعمي الفلسطينيين، باعتباره المنصة الأكثر قبولا بمنشوراتهم، فموقع التواصل الاجتماعي المملوك لإيلون ماسك كان الأقل حجبا للمنشورات المتعاطفة مع القضية الفلسطينية والتي تفضح ما يتعرض له أهالي غزة، بل سمح بانتشار تغريدات مؤيدة لحركة "حماس"، وبتاريخ 10 أكتوبر نشر ماسك على حسابه صورة تبين صعوبة التمييز بين الخطاب المنتقد لـ"معاداة السامية" وذلك الذي يصنف على أنه "بروباغاندا صهيونية".
وتأكيدا على رفضه الانصياع إلى ازدواجية المعايير في ما يخص دعم الإسرائيليين ودعم الفلسطينيين، نشر ماسك، في 13 أكتوبر، مقطع فيديو كوميدي للإعلامي الأمريكي الساخر، جون ستيوارت، يبرز الهجوم على أي شخص ينتقد إسرائيل أو حماس، ليعلن بذلك إتاحة المجال للطرفين على قدم المساواة من أجل نشر المحتوى، الأمر الذي أدى إلى إظهار ما يجري للمدنيين في غزة بشكل أكثر موضوعية ووضوحا، عكس ما يتم عبر "فيسبوك" و"إنستغرام".
ولم يكن هذ الأمر ليمر بسهولة، فقد توصلت منصة "إكس" بمراسلة على شكل تهديد من طرف الاتحاد الأوروبي، أعطت إيلون ماسك 24 ساعة من أجل تقديم توضيحات بخصوص المنشورات التي يتم تداولها عبر حسابات الموقع، باعتبارها تحمل "معطيات خاطئة وصورا عنيفة مرتبطة بالنزاع في إسرائيل"، وقال مُوقع المراسلة، تييري بريتون، مفوض الشؤون الرقمية "بعد الهجمات الإرهابية التي شنتها حماس على اسرائيل، نملك معلومات تفيد بأن منصتكم تستخدم لنشر محتويات غير مشروعة وتضليلية داخل الاتحاد الأوروبي".
ولم يتأخر ماسك في الإجابة على هذا "التهديد"، من خلال رسالة جاء فيها "سياستنا هي أن يكون كل شيء مفتوحا وشفافا وهي مقاربة أعرف أن الاتحاد الأوروبي يدعمها"، وهو أمر أثار حفيظة وسائل إعلام معروفة بانحيازها للجانب الإسرائيلي، وفي مقدمتها وكالة الأنباء الفرنسية AFP والشبكة الإخبارية الفرنسية France 24، اللتان اعتبرتا أن "الحرب الجارية حاليا بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة، كشفت أن المنصة التي تعرف اليوم باسم "إكس" تحولت إلى مساحة لنشر التشكيك والتضليل ورسائل الكراهية".
وجاء في مقال نشرته المؤسستان "عمل الملياردير إيلون ماسك منذ أن استحوذ على تويتر على الحد بصورة شديدة من قدرتها على الإشراف على المحتوى وأعاد تفعيل حسابات أشخاص تم إقصاؤهم من المنصّة لاعتبارهم متطرفين، وأخيرا، تتيح المنصة لمشتركيها الآن إمكانية الاستفادة من المنشورات التي تحقق انتشارا واسعا، حتى لو لم تكن صحيحة، والنتيجة أن المنصة لم تعد كما من قبل أداة أساسية لجمع معلومات موثوقة ونشرها أو حتى تنسيق عمليات الإغاثة الطارئة في ظل الأزمات، لتخلصا إلى أن "النزاع بين إسرائيل وحركة حماس، مع ما يواكبه من أنباء كارثية وبالغة الحساسية، يطرح أول اختبار حقيقي لنسخة ماسك لتويتر بمواجهة أزمة كبرى".